وقوع الفتن سنة ربانية لا تتبدل، كما في قوله- تعالى-: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)) [العنكبوت:2]
وقد كتبها الله- عز وجل- على عباده لحكمٍ عظيمة :
منها تمييز المؤمنين من غيرهم، ومنها تكفير السيئات ورفع الدرجات، ومنها غير ذلك مما لا نعلم.
فعن حذيفة- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله يقول:
(( تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر مر باداً، كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه )) [1].
قال ابن القيم رحمه الله في فتنة الشبهات :
ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة، وقلة العلم، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت فى ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم:
{إِنْ يَتّبِعُونَ إلا الظّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنُفُسُ} [النجم: 23].
وقد أخبر الله سبحانه أن اتباع الهوى يضل عن سبيل الله، فقال: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتّبِعِ الْهَوَى فَيضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بَما نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ} [ص: 26].
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهى فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التى اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.