تحتاج كل تربية إلى نموذج واضح يجسد معالم هذه التربية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل المجرد إلى محسوس ، والقول إلى عمل ، والنظرية إلى تطبيق .
وفي التربية الإسلامية لا يوجد أعظم ولا أكمل ولا أفضل من شخصية محمد - صلى الله عليه وسلم - لتكون نموذجاً حياً ، وقدوة حسنة للإنسان المسلم في كل زمان ومكان . ولا ريب فهو من اصطفاه ربه -جلا وعلا- وقال فيه : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)) [الأحزاب 21] . وهو الذي بعثه الله لأمته معلماً ومزكياً ومربياً . قال تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والْحِكْمَةَ)) [آل عمران 164] . وهو الذي مدحه ربه سبحانه بما منحه فقال له سبحانه في كلمات موجزات : ((وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) [القلم 4] . فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل في حياة رسول الله وشخصيته المتكاملة التي استوعبت كل جوانب الحياة .
وبذلك جسَّد الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهج التربية الإسلامية السامية في الواقع العملي لحياته متمثلاً في سنن الفطرة . من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل في أن التزام المسلم بها وتطبيقه لها في واقع حياته يدل على أمرين هما :
* التصديق بما ورد في سيرة الرسول والتقليد والاتباع لهدي التربية النبوية في كافة الأعمال وجميع التصرفات . وهذا بدوره كفيل بتعود المجتمع المسلم بمن فيه من أفراد على السمع والطاعة والامتثال لأوامر الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وأن في الناس نزعة فطرية لتقليد ومحاكاة من يحبون ، وليس هناك أحب عند المسلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
* اتخاذ القدوة الحسنة من المعلم الأول والمربي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - كشخصية فذة متكاملة متوازنة . وتتضح هذه القدوة في اهتمامه بالجوانب المتعلقة بالجانب الجسمي والنظافة العامة حينما يتفقد المسلم أظافره فيقصها ، وفمه فينظفه ، وأسنانه فيسوكها ، وشاربه فيقصه ، وإبطيه فينتفهما... الخ .
وهذا بدوره ينفي الزعم الباطل القائل بأن الإسلام لا يهتم بالناحية الجسمية بل ويؤكد قضية التوازن في اهتمام التربية الإسلامية ورعايتها لمختلف الجوانب الجسمية والروحية والعقلية ، فلا يستغرب بعد ذلك أن يعرف المسلم لأول وهلة حين يرى سمته ووقاره ، وهيئته الخارجية وشكله العام الذي يميزه عن غيره من الناس. لأن هذه السنن في مجموعها جعلت له شخصية مميزة ، ومظهراً خاصاً ، ونموذجاً فريداً يقتدي فيه بإمام الطاهرين وقدوة الناس أجمعين - صلى الله عليه وسلم - .