ما تقدم بيانه من مشروعية البرّ والإحسان وبذل المعروف ولين الجانب وحسن المعاملة مع غير المسلمين من معاهدين ومستأمنين وذميين هذا لا يعني جواز موالاتهم ومودّتهم ومحبّتهم، إذ الموالاة لله ورسوله والمؤمنين فقط، كما قال تعالى: ﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [المائدة:٥٥- ٥٦]. فهنا حصر الله –عز وجل- الولاية في الله ورسوله والمؤمنين دون غيرهم([1]).
وقد تشكل هذه المسألة على بعض النّاس، فيظنّ بعض المثقفين من المسلمين– فضلًا عمّن سواهم- أنّ مشروعية البرّ والإحسان إلى غير المسلمين يعارض تحريم موالاتهم ومودّتهم، ولذا توهّم بعضهم أن البرّ والإحسان إلى غير المسلمين هو من المودّة والموالاة المحرّمة شرعًا فمنعوها جميعًا، وغلا آخرون فتوهّموا أنّ برهم والإحسان إليهم يقتضي مودتهم وحبهم وموالاتهم فجوّزوها جميعًا. فغلا بعضهم في الإفراط، وغلا آخرون في التفريط، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي.
وهذا التلازم غير صحيح. وعليه فإبراز الفرق بين هاتين المسألتين من الأمور المهمّة، لكثرة اللبس فيهما.
فالتمييز بين المودّة والموالاة، وبين البرّ والإحسان وحسن التعامل مع غير المسلم من أدقّ الأمور وأصعبها على غير المتعلمين، إذ الشخص العادي قد يجد صعوبة في التفريق بينهما.
والصّحيح الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسّنة وكان عليه سلف الأمة الصالح، هو التفريق بين البرّ والإحسان لغير المسلمين، وبين الموالاة والمودّة القلبية، وأنّ البرّ والإحسان إليهم لا يستلزم مودّتهم بأيّ حال من الأحوال، وذلك لما يلي:
أولًا: أنّ الله -عز وجل- قد جمع بينهما في كتابه، حيث أوصى بالبرّ والإحسان إلى الوالدين الكافرين، مع أنه قد نهى عن مودّة الآباء والأبناء إن استحبوا الكفر على الإيمان،
حقيقة المودة وحكمها يختلفان عن حقيقة الإحسان وحكمه، فالمودّة محرّمة شرعًا، والإحسان رخصة من الله تعالى
ثالثاً: الصِّلة والهدية والضيافة والصّدقة، لا يلزم منها المحبّة ولا المودّة في جميع الأحوال، فغير المسلم تبغضه لأنّ الله يبغضه، وتعدل معه وتحسن إليه لأنّ الله أمرك بذلك، ولهذا كان السلف يهدون للمشركين هدايا وليس بينهم وبينهم مودّة، كما تقدم بيانه في مبحث الإحسان. فالعدل والمعاملة وإطعام الطعام والمجادلة بالتي هي أحسن، والحوار، والتسامح، والتعايش السلميّ شيء، والمحبّة، والمودّة، والموالاة شيء آخر.
رابعًا: في البرّ والإحسان والصلةِ وحسنِ المعاملةِ ترغيب للكفارِ في الإسلامِ، فهي من وسائلِ الدعوةِ إلى الله عز وجل
السبت مايو 02, 2015 4:05 pm
