الحكم بالقوانين الوضعية كفر فهل يشترط الاستحلال؟
الحكم بغير ما أنزل الله كفر لقوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44)
ولكن هل هو كفر أكبر أم أصغر؟
يكاد يتفق كل من تكلم في هذه المسألة من المنتسبين إلى السنة على أن في المسألة تفصيل، فثمة حالات يكون فيها
أكبر وحالات يكون فيها أصغر، ولكن ما الضابط بين الحالتين؟
من المعلوم أن الكفر الأكبر في هذا الباب وفى غيره هو الأقوال والأفعال التي تدل على انخرام الباطن
لقوله تعالى: (وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) (النحل: 106) ، وهذه قد يعبر عنها بالاستحلال،
ولكن متى ذكرنا الاستحلال بهذا المعنى فهو يشمل كل صور انخرام الباطن سواء بالتكذيب أو الإعراض
أو الاستحلال، وأما من قصد الاستحلال على تسمية الحرام حلالاً فيوجد أنواع من الكفر الأكبر لا ينطبق عليها
وصف الاستحلال، كما في كفر إبليس الذي اعترض على الله عز وجل ورد حكمه وإن لم يكذب ربه عز وجل،
ولم يسم فعله حلالاً ولكنه رأى أن حكمه هو أحسن من حكم الله.
فهذا مما لا بد من التأكيد عليه في معنى الاستحلال.
وثمة مسألة أخرى، وهى هل تبديل الشريعة وتشريع القوانين الوضعية تشريعاً عاماً بدلاً منها
يعد استحلالاً ويعد كفراً أكبر؟
لا شك أن تبديل الشريعة لا يكون إلا استحلالاً بالمعنى الذي بيناه لكلمة الاستحلال
فإن المبدل للشرع كتشريع عام للناس لا يتصور أن يفعل ذلك إلا إذا كان يجحد أن لله حكماً في هذه المسألة
التي يشرع فيها أو يقر بوجود حكم في دين الله ولكن يرى أن هذا الحكم الوضعي أحسن منه أو مساو
أو على الأقل يرى أنه لا يلزمه أن يحكم بشرع الله، وكل هذا ينطبق عليه وصف الاستحلال.
وأما إذا ضم إلى ذلك إلزام الغير به فهذا تجاوز مرحلة استحلال الحكم بغير ما أنزل الله إلى تحريم الحكم بما أنزل الله.