فإنَّ المرأةَ إذا خَلَعَتْ زوْجَها وبذَلَتْ له في سبيل ذلك من المال، مَلَكَتْ أمْرَها وحصَلَتْ على الفُرقة، وعليه فلا يَجوز رُجوعُها لزَوْجِها إلا بعقدٍ جديدٍ على الرَّاجح؛ لأنَّ المقصودَ من الخُلع ودَفْعِ المرْأَةِ العِوَضَ للزَّوج هو: إزالةُ الضَّرر عنْها، فلو جازَ له أن يُراجِعها بعد الاتِّفاق وأَخْذِ العِوض والفُرقة لعاد إليها الضَّرر، ولَمَا كان هناك أثَرٌ لعَقْدِ الخُلع، ولانْتَفَتْ إرادةُ المرأة فيه.
وعليه؛ فالفِراقُ بالخُلْعِ بينونةٌ، فبِمُجرَّد حصولِه لا تَصِحُّ المُراجعة إلا بعقدٍ ومَهْرٍ جديدَيْنِ إن رَغِبَتِ المرأةُ في العودة للزَّوجِ الأوَّل؛ قال أبو عمر بن عبدالبر في "الاستذكار": "اختَلَفُوا في مراجعة المُختَلعة في العدَّة؛ فقال جُمهورُ أهْلِ العِلْمِ: لا سبيلَ له إليها إلا برضًى منها ونكاحٍ جديدٍ وصداقٍ معلومٍ، وهو قولُ عامَّة التَّابعين بِالحجازِ والعِراق، وبه قال مالكٌ والشافعيُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُهم، والثَّوريُّ والأوزاعيُّ وأحمدُ وإسحاق.
ورُوِيَ عن سعيدِ بن المسيَّب وابْنِ شهابٍ أنَّهما قالا: إنْ ردَّ إليْها ما أخَذَ منها في العدَّة أَشْهَدَ على رَجْعَتِها، وصحَّتْ له الرَّجعة، روى ابنُ أبي ذِئْبٍ عن ابنِ شهابٍ، قال: لا يتزوَّجُها بأقلَّ مِمَّا أخَذَ منها، وقال أبو ثور: إن كانَ لم يُسَمِّ في الخُلْعِ طلاقًا فالخُلعُ طلقةٌ لا يَمْلِكُ فيها رجعةً" اهـ.
قال ابنُ تيمية: "وهَذا الخُلْعُ تَبِينُ به المَرْأَةُ فلا يحِلُّ له أن يَتَزَوَّجَها بعْدَه إلاَّ برِضَاها، ولَيْسَ هو كالطَّلاقِ المُجَرَّدِ؛ فإِنَّ ذَلِك يقَعُ رَجْعِيًّا له أَنْ يرْتَجِعَها في العِدَّةِ بِدُونِ رِضاها".
قال ابْنُ القَيِّم في "الزاد": "وفي تَسْمِيَتِه سُبحانَه الخُلْعَ فديةً دليلٌ على أنَّ فيه معنَى المُعاوضة، ولِهذا اعْتُبِرَ فيه رِضَى الزَّوجَيْنِ، فإذا تَقايَلا الخُلْعَ وردَّ عليْها ما أخَذَ منها وارْتَجعها في العِدَّة فهل لَهُما ذلك؟ مَنَعَهُ الأئمَّة الأربعةُ وغيْرُهُم، وقالوا: قد بانتْ منْهُ بنفْسِ الخُلْع"،، والله أعلم